كثرت الحاجات في العصر الحالي، حتى تزاحمت العقبات التي يلزمها توفير بدائل لتخطّيها تزامناً مع سرعة التغيرات الفائقة. ومن هنا، خُلق الريادي الذي يُوصف به كل من أوجد من الحاجة أو النقص فرصة يجازف بأمواله لأجل بناء مشروع يخدم تلك الحاجة وأهلها لتسهيل العملية، وتحسين المخرجات المرجوّة شاملةً مناحي الحياة المختلفة؛ بما في ذلك، توظيف التكنولوجيا، والعالم الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وتعزيزها بعلم البيانات.

ليخرج الإنسان المعاصر من دائرة المؤسسية واتباع سياسة بعض المؤسسات المضيّقة للإبداع والابتكار، ليصبح بذلك هو المنشئ للفكرة من خلال عالم الريادة، والشركات الناشئة، والمشاريع الصغيرة؛ فيتحرر من قيود بعض المؤسسات الكبرى وتعقيداتها لبناء أو تطوير مشاريع قد تخالف كل ما اعتادوا عليه سابقاً خوفاً من المجهول.

لا أنكر حجم المخاطرة والعيوب الملتصقة بالريادة بشكلٍ عام، وبعض المشاريع بشكل خاص والتي تتضمن صناعة أو توفير المنتجات في الأسواق التنافسية، ومجال التدريب، ومجالات أخرى يصعب التفرد فيها وكسب رضا الجمهور؛ فلا ضمانات في المشاريع الريادية، ولكن ترتفع نسبة النجاح بارتفاع الدعم المعرفي والمادي، والدراسة الدقيقة للمشروع، والمتابعة والتقييم المستمرّين بتكاتف الجهات المختلفة المؤثرة في الاقتصاد.

من هنا، أود التطرق إلى عيوب الريادة ليتم تجاوزها قدر الإمكان من خلال ما يلي:

أولاً: قلة الوعي بأهمية الريادة.

ينتشر فكر "الحياة تتمحور حول رغيف الخبز بين الأيدي والسقف فوق الرأس" في كثيرٍ من مناطقنا العربية. ولكن، وبعد اقتحام التكنولوجيا لحياتنا، فاقت حاجتنا الطعام والمأوى لتتعدى إلى جودة الحياة، ورصيد البنك، والعلاج المناسب، وتطوير وضع البشرية، وهذا أجمل ما في الأمر.

ثانياً: افتقار الدعم والتمويل المالي.

يتجنب أصحاب رؤوس الأموال وبعض الحكومات المجازفة بمبالغ في فترات تأرجح الأسواق المالية والقيم السوقيّة لكثيرٍ من العملات والمنتجات؛ ممّا يرفع مخاوفهم تجاه مدى نجاح واستمرارية المشاريع الناشئة والريادية. هذا لا يمنع ألا ننسى أنّ كل شركة ضخمة اليوم كانت مشروعاً ريادياً متواضعاً بالأمس.

ثالثاً: المنافسة الشديدة حول العالم.

تجتاح موجة أفكار حديثة مبتكرة حول العالم تصلح لتكون مشاريع جديدة أو لتحسين فجوات المشاريع الحالية، ويميزها عن غيرها تفاصيل قد تحدث فارقاً في النتيجة، والعائد، والاستمرارية، وإقناع الممول.

وفي المقابل فإن ميّزات الريادة تطول ممّا يشجع على السير في هذا الطريق: فالمعرفة متاحة مجاناً، والاستشارة بيد الجميع، وإمكانية إقناع الممولين ممكنة أيضاً، أما عن القوانين فإنها في تحسن متواصل لاحتضان المشاريع؛ لأنها تخفف الضغط عن مؤسسات الدولة من حيث توفير فرص عمل للأفراد، وتقليل تكاليف بقاء المشاكل دون حلول في المجتمع ممّا يقلص الفجوة بين القطاعين العام والخاص وقطاع المنظمات. فقد تتمثّل الريادة بشكل مشروع ضمن مؤسسة أو تأسيس مؤسسة بالكامل أو شراكة مع جهةٍ أخرى محلية أو دولية.

الريادة وثقافات عصرية

أضافت الريادة ثقافات جديدة في المجتمعات؛ حيث يميل الشباب إلى العمل عن بعد لمرونته، ومتعته، وسقوط حواجز الزمان والمكان. مع العلم، أنّ الريادة باتت ثقافة بكل ما للكلمة من معنى، وأدخلت ثقافات ومهارات جديدة إلى الحياة العصرية. فنجد فكرة الاستقلالية المادية في انتشار، والاستثمار في تطور، وتعدد مصادر الدخل تلقى ترحيباً من الجميع مع غلاء الأسعار وعدم استقرار السياسات الضريبية.

في النهاية، ما يزال القرار بيدك بين أن تحصر نفسك بوظيفة أو تعدد اتجاهاتك وتسير مع مركب السرعة. بما أنّ المعظم على اتصال بشبكة الإنترنت، فلا عذر يمنع الخوض في غمار سباق التصميم الإبداعي والفكري.. التواصل هيّن، والمعلومة متوفرة بعدة لغات، ولا يتبقى سوى أن تباشر بذلك.

  "هذه المقالة تدعم أهداف مبادرة "ض"؛ إحدى مبادرات مؤسسة ولي العهد."

المراجع