إن النمو المُتزايد لصناعة وتجارة الألعاب الإلكترونية والذي جاوزت أرباحه حدود الـ 7.4 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فضلًا عما أتاحه الإنترنت من تسهيل تحميل الألعاب أو لعبها مُباشرةً بمشاركة آخرين من الغرباء؛ استدعى ضرورة البحث في مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأطفال بمنهجية علمية توضح بشكل كامل الفوائد والسلبيات لمُجمل ما تنتجه الصناعة من ألعاب، ولكل لعبة على حِدة، خاصةً مع ما أكد عليه الطبيب "فونك" في كتابه " Children’s exposure to violent video games and desensitization to violence" بأن 53٪ من الألعاب الإلكترونية التي يلعبها الأطفال في الأعمار ما بين الصف الأول إلى الثالث الابتدائي قائمة أساسًا على العنف، وهو ما قد يُشكل منحنى تربويًّا خطرًا ينجم عنه مُشكلات صحية وعقلية ونفسية معقدة(1).

مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأطفال

أكد عالم النفس في جامعة ويسكونسن سي "شون جرين" أن الألعاب الإلكترونية تؤدي إلى تغيير البنية المادية للدماغ بنفس القدر والطريقة اللذين تتغير بهما مع تعلم القراءة أو الحساب أو العزف، كما أكد "مارك بالوس" أن الألعاب الإلكترونية لا تُغير فقط في كيفية أداء الدماغ، بل تُعيد هيكلته وتشكيله، الأمر الذي يجعل الأطفال المُهتمين بهذه الألعاب أكثر عنفًا وانسياقًا وراء مشاعر الكراهية وسلوكيات العدوان والتخلي عن قيم مُساعدة الآخرين ودفع الضرر عنهم، وهو ما أكدته أيضًا التجارب الاستقصائية لـ "دميتري أ.كريستاكس" الأستاذ بمعهد سياتل لأبحاث الأطفال، حيث لاحظ أن الأطفال الذين يُشاهدون محاكاة عنيفة مثل تلك الموجودة بالألعاب الإلكترونية هم الأكثر ميلًا للتصرف بعنف وعدوانية، وهم الأقل شعورًا بالتعاطف، والأكثر انغماسًا في القسوة(2).

كما تشتمل مخاطر الألعاب الإلكترونية على تشوه مفاهيم الصواب والخطأ عند الطفل، فقد أكدت دراسة تحليلية أُجريت في 2018 شملت نحو 17 ألف مُراهق من دول مُتعددة، على قوة انجذابهم نحو السلوكيات الخطرة، مثل: الانتقام، القيادة المُتهورة، التدخين وعدم الاهتمام بالتحصيل الأكاديمي(3)، وقد نمت أفكارهم تلك كمحصلة لاختلال مفاهيم وقيم الصواب والخطأ والثواب والعقاب في نفوسهم من جراء مُمارسة الألعاب الإلكترونية، حيث زينت لهم التصرفات الخاطئة، مثل: القتل، الركل، الطعن وإطلاق النار كأدوات أساسية للفوز والنجاح، مما انعكس على تصالحهم النفسي مع هذه المُمارسات الشنيعة واعتبارها أساسًا واقعيًّا أيضًا للنجاح والفوز في الحياة(1).

وصفت منظمة الصحة العالمية في يونيو من العام 2018م إدمان الألعاب الإلكترونية بأنه أحد أشكال اضطراب الصحة العقلية، واعتبره المعهد الوطني للإعلام والأسرة الأمريكي في مينيابوليس إدمانًا مؤكدًا يستوجب العلاج بجميع مراحله المعهودة مع إدمان المواد المخدرة، وأنه ذو قدرة على رفع حدة الاكتئاب والقلق والرهاب الاجتماعي والعزلة والفصام واضطراب ما بعد الصدمة ومرض الزهايمر وضعف التحصيل العلمي، وقد جاء إقرار المعهد بهذه النتيجة بِناءً على فحوصات تصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة أطفال أدمنوا الألعاب الإلكترونية، حيث ظهرت تأثيرات تُماثل تلك التي تُعاني منها أدمغة مُدمني المُخدرات والكحول، لا سيما في الجزء الدماغي المعروف باسم "نظام اللوزة الدماغية" والذي يتسم عند المُدمنين بالحساسية وصغر الحجم، وهذا الجزء الدماغي مسئول عن تطوير الإنسان لنظام التحكم الذاتي، وهذا ما يُفسر استعداد المُدمنين للسلوكيات المندفعة و المحفوفة بالمخاطر(2).

وإلى جانب كل ما سبق من مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأطفال صحيًّا وعقليًّا ونفسيًّا وأكاديميًّا؛ فهُناك خطر داهم آخر ظهر بظهور الألعاب التفاعلية المُنتشرة على الإنترنت، والتي يتشارك في لعبها غرباء من مواقع مختلفة حول العالم، فمع هذه الكيفية في اللعب تظهر مخاطر اختراق البيانات والتجسس، ووقوع الطفل في فِخاخ المُتحرشين والمُبتزين جنسيًّا وماديًّا، فضلًا عن التنمر الإلكتروني، واكتساب عادات ذميمة(3).

المراجع