Loading...
Loading...
Loading...
Loading...

تخيّل، شارك، أبدع


إسم الكاتب
د. نزار ياسين
المشاهدات
538 مشاهدة
تاريخ النشر
2022-11-22
التعليقات
0 تعليق

 قد يظن بعضهم أن الإبداع و/أو الابتكار سلوك وراثي، إلا أن الدراسات التربوية والنفسية والسلوكية، دلّلت على أن الابتكار والإبداع مهارات عقلية يمكن تنميتها وتطويرها في الإنسان. فالإنسان قادر باستمرار على إيجاد أفكار أو أساليب أو مفاهيم جديدة، وتنفيذها بأسلوب جديد غير مألوف؛ وذاك بقدرته على استخدام الأفكار والمعلومات والأدوات الموجودة أو المتاحة بطريقة مستحدثة وفريدة مفيدة (١).

 

  قيل في الأمثال "الحاجة أم الاختراع"؛ فالإنسان بطبيعته محب للاكتشاف، مبادر إلى كل جديد، إلى كل ما من شأنه أن يحقق له أسباب الرخاء والسعادة، باحث عمّا يلبي حاجاته المادية، وعما يغذي نوازعه العقلية والروحية.

 

  أحدثكم في مقالي هذا عن مؤسستي الريادية التي أعمل فيها (مدرسة دير ابي سعيد الأساسية للبنين)، قلت مؤسستي الريادية؛ لأنها تجنح دوما عن المسار التربوي التعليمي الكلاسيكي، إلى بناء شراكات مجتمعية ووطنية مؤسساتية، تدمج الطالب بمجتمعه وبيئته، من خلال تنفيذها مبادرات وأعمال ريادية تخدم الطالب والمجتمع معا، تجعل الطالب إنسانا فاعلا ومنتجا ومهيئا للانخراط بالحياة والبيئة من حوله.

 

  فقد عملنا في هذه المؤسسة كفريق متعاضد يشدّ بعضه بعضا، على عدة مشاريع ومبادرات، إذ شاركنا في معظم المسابقات الدولية والوطنية بأعمال ريادية ابتكارية وإبداعية، قام بها طلاب من المرحلة الأساسية، وهذا إن دلّ، فإنما يدل على ما قدمنا من قدرة الفرد على تنمية مهاراته وقدراته العقلية والإبداعية باستمرار.

 

  لقد كانت أكثر أعمالنا في السنوات الأخيرة، تدريب الطلاب على أنشطة ومشاريع "إعادة التدوير"، ولم يكن هذا الاختيار عبثاً؛ فالإنسان من جهة يفكر بما يحسه ويستشعره ويلاحظه من حوله، وبالمواد المتاحة من حوله من جهة ثانية، ناهيك عن إحساسه بمشكلة ما تجعله يفكر في الحد أو التخلص منها، وبحاجة ملحّة ما تجعله يفكر في الحصول عليها.

 

  إن أنشطة إعادة التدوير تسهم في حل كثير من المشكلات البيئية من حولنا، وغالباً ما تنتج أشياء جديدة ومبتكرة تفيدنا، لو فكرنا بطريقة إيجابية، ولو فكرنا بتحويل كل مشكلة إلى فائدة. وقد عملنا في مؤسستنا على إعادة تدوير البلاستيك والحديد والملابس المستعملة؛ فصنعنا الصابون والحقائب والشموع والألعاب...، ومن شراكاتنا المجتمعية أفادت غير أسرة فقيرة من هذه الأعمال الابتكارية. كما أنتجنا المجسمات التعليمية، والتزيينية والدالة في أغلبها على تاريخنا ورموزنا الوطنية، وغير ذلك كثير مما لا مجال لتفصيله في هذا المقال.

 

  لكنني أشارككم فكرتي الريادية الأخيرة مع طلابي، والتي فازت في جائزة علماء الغد الدولية المقدمة من السفارة الإيرلندية، وبالشراكة والدعم من مؤسسة ولي العهد، ومؤسسة الملكة رانيا، وغيرها من المؤسسات الدولية والوطنية. وهي "إعادة تدوير أعقاب السجائر في صنع مساحات للسبورة".

 


تولدت الفكرة من خطر أعقاب السجائر على البيئة وضررها؛ إذ وجدنا بعد البحث العلمي والاستقصاء، أن أعقاب السجائر تحتوي على مواد بلاستيكية بطيئة التحلل، وتحتاج إلى عدة سنوات، مما يشكل ضررا على التربة والنباتات وتأخير نموها٢، ناهيك عن تلويثها للطرقات، وقد كان كثير من الباحثين والمشتغلين على مشاريع إعادة التدوير، قد قرروا عدم جدوى إعادة تدوير أعقاب السجائر؛ لصعوبة التخلص من المواد الضارة التي تحتوي عليها المادة الإسفنجية من جهة، وصعوبة استثمارها في أعمال مفيدة من جهة ثانية، ناهيك عن التكلفة وانعدام الجدوى الاقتصادية لأي فكرة قد تنتج عنها.

 

  لكن أحلام الإنسان وخيالاته، كثيرا ما تتحقق بالإصرار والتفكير والابتكار، ففكرنا في الإفادة من المادة الإسفنجية في أعقاب السجائر لصنع مساحات للألواح المدرسية. وبالتجربة كانت هذه المادة قد أثبتت جدواها بل تفوقها على ما نستخدمه لهذه الغاية في مؤسساتنا. فبادرنا إلى عمل دراسات واستشارات مع البلدية ومع المجتمع المحلي، وقمنا بجمع أعقاب السجائر من الغابات ومن الطرقات؛ مما أسهم في الحد من مشكلة بيئية أولا، وحقق للطالب الانفتاح على المجتمع ومؤسساته وتنمية إحساسه ببيئته ووطنه.

 

  بعد أن جمعنا أعقاب السجائر، مع الأخذ بأسباب الصحة والوقاية والسلامة العامة، قمنا باستخلاص المواد الإسفنجية وغسلها وتنظيفها في مختبر المدرسة، ثم اتجهنا إلى عمل شراكة أخرى مع المدرسة المهنية في المنطقة، حيث أفدنا من الأخشاب الخربة أو التالفة من بقايا المقاعد المدرسية في صناعة مكبس ومقبض خشبي للمواد الإسفنجية المستخلصة من أعقاب السجائر، فكان المنتج النهائي بهذه الأفكار وهذه الشراكات عالي الجودة صفر التكلفة.   وبعد، إن ما نعتقده تافها غير ذي قيمة، يمكننا أن نخلق منه أو له قيمة مفيدة؛ إذا فكرنا بطريقة ابتكارية إبداعية.

 

  "هذه المقالة تدعم أهداف مبادرة "ض"؛ إحدى مبادرات مؤسسة ولي العهد."
 

 



التعليقات








إقرأ ايضا هذه المقالات


ما هو التدريس التأملي؟

ما هو التدريس التأملي؟ التدريس التأملي هو عملية تحسين آليات وممارسات التعليم بش...

قراءة المزيد
وليد محمد مرسال
593
2
لماذا يشعر أطفالنا بالملل في ا...

  إن صياغة إجابات مقنعة عن سؤال لماذا يشعر أطفالنا بالملل في المدرسة تبدو صعبة ...

قراءة المزيد
كاريمان أنور محمود
341
0
مخاطر الألعاب الإلكترونية على...

إن النمو المُتزايد لصناعة وتجارة الألعاب الإلكترونية والذي جاوزت أرباحه حدود الـ ...

قراءة المزيد
كارمان أنور
617
1
التهيئة المجتمعية في تقبل أشخ...

تأتي حاجة الإنسان إلى القبول الاجتماعي بمثابة قوّة كبيرة تحركه في كافة تصرفاته، ك...

قراءة المزيد
الدكتورة سلام عاشور
200
0


نشرتنا الإخبارية

اشترك في نشرتنا الإخبارية للإطلاع على آخر المستجدات المتعلقة بخدماتنا ومنتجاتنا

خطوات بسيطة تفصلك عن الإشتراك